بقلم : طلال بن علي الضاحي
لا تمرّ لحظة في هذا العالم المضطرب إلا ويعيد فيها التاريخ تشكيل خرائطه السياسية والاقتصادية، لكن قلّما يشهد الزمن تحوّلًا تتقدمه دولة بإرادة واعية كما تفعل المملكة العربية السعودية اليوم. ففي ظل قيادة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، تحوّلت المملكة من قوة إقليمية مهابة إلى قوة دولية يُعاد عند أبوابها تعريف النفوذ وتُقاس عليها معايير التأثير. إن ما يجري ليس مجرد تحديث لمؤسسات أو إعادة صياغة لموازين الاقتصاد، بل هو مشروع نهضوي شامل يضع المملكة في قلب المشهد الدولي، ويمنحها مكانة تستحقها بين صناع المستقبل.
واشنطن… محطة تضيء طريق القوة السعودية
حين وصل سمو ولي العهد إلى العاصمة الأمريكية واشنطن في نوفمبر 2025م، لم يكن المشهد مجرد زيارة رسمية تتكرر في سجلات الدبلوماسية. كان مشهدًا محمّلًا بالرمزية، عميق الدلالة، يختزل سنوات من العمل السياسي المتقن والتحول الوطني المتسارع. اصطفاف حرس الشرف، ورفع الأعلام، وحفاوة الاستقبال الشخصي من الرئيس الأمريكي، كلها كانت إشارات واضحة إلى أن العالم بات ينظر إلى سموه باعتباره أحد أكثر القادة تأثيرًا في الساحة الدولية.
هذا الاستقبال لم يكن احتفاءً بشخص سموه فقط، بل احتفاءً بدولة أثبتت قدرتها على الانتقال من موقع الدفاع إلى موقع المبادرة، ومن دائرة التأثير المحدود إلى رحاب النفوذ العالمي الواسع. لقد أدركت واشنطن، كما أدرك العالم من قبلها، أن الحديث عن المستقبل لا يكتمل من دون المملكة، ولا يمكن فصل أمن المنطقة واستقرار الطاقة وتقاطع السياسات الكبرى عن دور الرياض.
اقتصاد يصنع التاريخ… ورؤية تُترجم إلى واقع
إن الاتفاقيات التي وُقّعت خلال تلك الزيارة، والتي تجاوزت 270 مليار دولار، ليست مجرد أرقام تُدوَّن في البيانات، بل هي امتدادٌ لمشروع اقتصادي ضخم يعمل على إعادة بناء هيكل المملكة الاقتصادي على أسس متينة. وهي في جوهرها رسالة للعالم بأن السعودية لا تنتظر نصيبًا من النمو العالمي، بل تصنعه.
لقد بات من الواضح أن المملكة تتحول إلى مركز عالمي للاستثمار، ووجهة للشركات الكبرى، ومنصة للطاقة التقليدية والمتجددة، ومختبرًا للتقنيات المستقبلية. فالتعاون في مجال الطاقة النووية المدنية، وضمان سلاسل إمداد المعادن الحرجة، وتطوير الصناعات المتقدمة، ليست مشاريع تقنية جافة، بل هي مفاصل في مشروع استراتيجي يهدف إلى وضع السعودية في مقعد القيادة داخل عصر ما بعد النفط.
وتقوم رؤية 2030 على فلسفة لا تخفى: التحول ليس خيارًا؛ بل قدر يصنعه القادة الذين يعرفون كيف يُمسكون بزمام الزمن.
وهذه الفلسفة هي التي جعلت من السعودي اليوم مواطنًا جزءًا من حقبة تحول تاريخي، ومن المملكة دولة تُترجم أحلامها إلى بنية تحتية، ومراكز مالية، وتمكين شبابي، وقطاعات صناعية وسياحية وثقافية تعبّر عن دولة ترى المستقبل بعيون واثقة.
السياسة الخارجية… حيث تتقدّم الحكمة على الصخب
في مشهد سياسي دولي يعج بالضجيج والشعارات والمواقف المتقلبة، برزت السياسة الخارجية السعودية بقيادة سمو ولي العهد كمنهجية تقوم على الوضوح والتوازن والقدرة على التأثير الهادئ. فالمملكة لا تميل إلى الخطابات النارية، ولا تركن إلى الانفعال السياسي، لكنها حين تتحدث… يصمت العالم ليصغي.
وقد ظهر هذا بوضوح خلال مناقشة الملف السوداني في واشنطن. فحين دعا سموه إلى تعزيز الجهود الدولية لوقف نزيف الحرب في السودان، لم يكن ينطق بعبارات دبلوماسية مألوفة، بل كان يتحدث من موقع المسؤولية التاريخية لدولة تعتبر استقرار المنطقة جزءًا من استقرارها. وقد أفضت هذه الجهود إلى دفع الإدارة الأمريكية لإعلان التزام حقيقي تجاه القضية السودانية.
إن هذه المواقف تكشف عن جوهر السياسة السعودية الجديدة:
سياسة تُوازن بين القوة والرحمة، بين النفوذ والإنسانية، بين المصلحة الوطنية والمسؤولية الأخلاقية.
قائد بحجم وطن… ووطن بحجم رؤية
لا يمكن فهم التحولات السعودية دون فهم الدور المحوري لسمو ولي العهد، فهو قائد يجمع بين الجرأة والرؤية والقدرة على تنفيذ ما يراه البعض مستحيلًا. قائد لا يخشى اتخاذ القرارات التي تصنع الفارق، ولا يتردد في فتح الآفاق الجديدة التي تليق بأمة تمتلك قدرات غير محدودة.
إن التغيير الذي تشهده المملكة لا يُقاس فقط بالمدن الذكية التي تُبنى، ولا بالقطاعات الجديدة التي تُطلق، ولا بالمشاريع العالمية التي تُعلن؛ بل يُقاس أيضًا بروح جديدة تسري في مفاصل الدولة والمجتمع:
روح تقول إن السعودية لا تعيش في ظل الماضي، بل تصنع حاضرًا يستحق التاريخ أن يكتبه.
المملكة… من موقع المتلقي إلى موقع صانع القرار
أحد أهم التحولات التي نراها اليوم هو انتقال السعودية من دولة تُستشار إلى دولة يُستمع إليها؛ من دولة تُضع على طاولة المفاوضات إلى دولة تضع هي جدول أعمال المفاوضات. هذا التحول لم يأتِ فجأة، بل جاء نتيجة إخلاص في العمل ورؤية واضحة وثقة متبادلة بين القيادة والشعب.
لقد أصبحت المملكة لاعبًا رئيسيًا في ملفات الطاقة العالمية، وهي محرك أساس لأسواق النفط رغم التحولات نحو الطاقة النظيفة. وهي شريك متقدم في مشاريع التقنية العالمية، ولاعب حيوي في أمن المنطقة واستقرارها، ووجهة مؤثرة في الملفات الإنسانية والاقتصادية والسياسية.
وكل هذا جعل صوت السعودية اليوم أكثر اتزانًا ووزنًا، وجعل الدول الكبرى تنظر إلى الرياض كمرجع إقليمي ودولي. فالقرارات التي تُتخذ في المملكة يمكنها أن تغيّر موازين الأسواق، وأن تؤثر في السياسات، وأن تعيد تشكيل العلاقات الدولية.
النفوذ الناعم… حين تتحدث القوة عبر التنمية
القوة ليست عسكرية فقط، ولا اقتصادية فقط، بل هي نسيج كامل من التأثير.
وقد صنعت المملكة قوتها الناعمة عبر مشاريعها الإنسانية، واستثماراتها في الشباب، وانفتاحها الثقافي، وتحولها الاجتماعي الذي جعل منها بيئة عالمية جاذبة للثقافة والفن والرياضة والتقنية.
هذه القوة الناعمة تتكامل مع قوتها الاقتصادية والسياسية لتمنحها نفوذًا يتجاوز حدود المنطقة ويصل إلى نطاق عالمي أوسع. وهنا يتجلى دور سمو ولي العهد الذي استطاع أن يُقدّم للعالم نموذجًا سعوديًا حديثًا، يزاوج بين الأصالة والتجديد، وبين الثوابت والابتكار.
المستقبل… حيث تقف السعودية على عتبة التاريخ
لم يعد السؤال اليوم عن المكان الذي تريد المملكة أن تصل إليه، بل عن مدى السرعة التي ستصل بها. فالمشروع السعودي مشروع طويل الأمد، يمتد إلى عقود مقبلة، ويقوم على رؤية شاملة تشمل الاقتصاد والمجتمع والسياسة والثقافة والبيئة.
ومن يتأمل مسار الدولة اليوم، يدرك أنها لا تسابق الزمن فحسب، بل تكتبه بيدها. فالمملكة التي كانت قبل سنوات قليلة محط مراقبة العالم أصبحت اليوم محط إلهامه؛ لأن ما يجري فيها ليس تحديثًا فحسب، بل نهضة كاملة تعيد تعريف معنى الدولة الحديثة في القرن الحادي والعشرين.
الخاتمة… السعودية تُصغي للعالم لكن العالم يصغي لها أكثر
إن زيارة سمو ولي العهد لواشنطن لم تكن مجرد تقوية للعلاقات الثنائية، بل كانت مناسبة للعالم كي يرى حجم المملكة الجديد ومكانتها التي أصبحت أكثر رسوخًا. لقد باتت السعودية قوة عالمية تُحسَب حساب خطواتها، ويُنظر إلى قيادتها نظرة تقدير واحترام واعتراف بدورها المحوري.
واليوم، ونحن نعيش في عالم يبحث عن قادة يمتلكون الرؤية والجرأة والقدرة على التنفيذ، يظهر سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان كأحد أبرز هؤلاء القادة. قائد يصنع التاريخ، ويعيد رسم ملامح القوة السعودية، ويمنح المملكة حضورًا لا يُمكن تجاهله وتأثيرًا لا يمكن إنكاره.
إنه قائد يُعيد للأمة ثقتها بذاتها، ويكتب فصلًا جديدًا من فصول الدولة السعودية الحديثة. فصلًا عنوانه:
“السعودية… حيث يولد المستقبل”.
طلال بن علي الضاحي








